العودة للخلف

بحث في ما جاء أنّ صوم عرفة بصوم سنتين وصوم عاشوراء بصوم سنة

تاريخ النشر: 15 / 08 / 2025
: 24

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد في حديث أبي قتادة ما ظاهره أنَّ صَوم عاشوراء كصيام سنة، وبعض الناس يفهم منه: أنه كصيام الدهر أي العام.

فقد جاء بلفظ: «صَوْمُ عَرَفَةَ بِصَوْمِ سَنَتَيْنِ، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ سَنَةٍ».

وبلفظ: «يَعْدِلُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ سَنَتَيْنِ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَعْدِلُ سَنَةً».

وبلفظ: «صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ عِدْلُ صَوْمِ سَنَةٍ»

أخرجه أحمد (22616) واللفظ الأول له، والنسائي في الكبرى (2819) (2820) واللفظ الثاني له. وابن قانع في الصَّحابة 1/169  واللفظ الثالث له.

من طرق عن همام عن عطاء عن أبي الخليل عن حرملة بن إياس عن أبي قتادة به.

وحرملة: في التقريب: مقبول. وقال ابن عبدالبر: لا يحتج به.

قال البخاري في التاريخ الأوسط: أَبو حرملة، لا يُعرف له سماع من أبي قتادة.

وفي جامع التحصيل ترجمة حرملة: عن أبي قتادة حديث صوم يوم عرفة وعاشوراء وقيل فيه عن رجل عن أبي قتادة فتكون الأولى مرسلة وهي في النسائي.

وفي ميزان الاعتدال (1/ 472): حرملة بن إياس الشيباني، عن أبي قتادة، أو عن مولى أبي قتادة مرفوعًا، في الصَّوم. ذكرهُ البخاري في كتاب الضعفاء، فقال: اختلفوا في إسناده، ولم يصح إسناده.

قلت: المشهور في حديث أبي قتادة اللفظ الذي في صحيح مسلم والسنن والمسند وما لا يحصى من المراجع بلفظ (يكفِّر)، من طريق عبدالله بن معبد عن أبي قتادة.

أما اللفظ المذكور فلا يصح لأمور:

- لضعف راويه.

- للانقطع الذي أشار إليه البخاري.

- أنه منكر لمخالفة الضعيف للثقة.

- الاضطراب الحاصل في أسانيده وقد أبانها الإمام النسائي في الكبرى، وقد ذكر آخر البحث الطريق المشهور باللفظ المشهور الذي في مسلم والسنن ورجَّحه.

 - الاضطراب في المتن فقد جاء عن حرملة في المسند وغيره بلفظ (التكفير) كرواية ابن معبد. وفي المسند ما يفيد أنه رواه بالمعنى فغيَّر ففي المسند: عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَلِمَةً تُشْبِهُ عَدْلَ ذَلِكَ قَالَ: (صَوْمُ عَرَفَةَ بِصَوْمِ سَنَتَيْنِ، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ سَنَةٍ).

ويؤيده ما تهذيب الآثار للطبري (1/ 294) رقم 463 : قال: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَزَّازُ الْوَاسِطِيُّ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَوْمُ عَرَفَةَ يَعْدِلُ السَّنَةَ وَالَّتِي تَلِيهَا، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ يَعْدِلُ كَفَّارَةَ سَنَةٍ». رجاله ثقات.

فتارة يقول حرملة: (يكفِّر سَنة) على الجادة، وتارة: (يَعدل سَنة). وتارة: (يعدل كفارة سنة).

* فظهر أنه رواه بالمعنى، وليس المراد ما يُفهم من ظاهره أنه كصوم الدهر أو العام أو السَّنة.

تنبيه: أخرج ابنُ حبان (3622 ، التعليقات) حديث أبي قتادة من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بلفظ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: (ذَاكَ صَوْمُ سَنَةٍ) قَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا يَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ وَمَا قَبْلَهَا).

وهذا اللفظ أيضًا يرجع -كما سبق- إلى ما في الصحيح وما في عامة المصادر، أي: أنه أنه يكفِّر سَنة. بدليل سياقه في يوم عرفة، وهذا ظاهر جدًّا. وقد اغترَّ بعضُهم بتصحيح الإمام الألباني، والشيخ الألباني رحمه الله إنما صحَّح الحديث في تعليقاته على ابن حبان باعتبار أصل الحديث ولهذا قال: أخرجه مسلم. فردّ الحديث إلى اللفظ المخرّج في مسلم. ومَن لم يفهم له هذا فلا شكّ أنّ لفظ عامّة الرواة والمصادر أرجَح مما عند ابن حبان.

* وقد وردَ ذلك في يوم عرفة خاصّة: من حديث ابن عمر بلفظ: (كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعدّ صومَ عرفة صوم سنة). وفي لفظ: (كُنَّا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْدِلُهُ بِصَوْمِ سَنَةٍ).

وهذا الحديث ضعيف من طريق أبي حريز. قال النَّسَائي عَقِب إخراجِه: أَبو حريز ليس بالقوي، واسمه عبد الله بن حسين، قاضي سجستان. وحديثه هذا حديث منكر.

وقال ابن عدي: لا يُتابع ـ أي أبو حريزـ عليه.

وقال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَّا أَبُو حَرِيزٍ.

وقال أحمد بن حنبل: حديثه منكر، روى معتمر عن فضيل عن أبي حريز أحاديث مناكير. وقال حرب بن إسماعيل: سئل أحمد بن حنبل عن أبى حريز؛ فذكَر أن يحيى بن سعيد كان يحمل عليه، و لا أراه إلا كما قال. وقال الذهبي: جاء عنه أنه يؤمن برجعة علي!.

وأيضًا خُولف فيه، فقد جاء هذا عن سعيد بن جبير قوله أخرجه أبو يوسف في الآثار برقم (804).

* وجاء هذا أيضًا عن ابن عباس بسند تالف:

أخرج الخطيب في المتفق والمفترق (1087) من طريق عثمان بن عفان السجزي حدثنا عبد العزيز بن أبان القرشي حدثنا سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جيبر عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس يوم أكرم على الله من يوم عاشوراء ولا أعظم عنده حرمة منه، صومه بصوم سنة قبله وسنة بعده) وذكر حديثا طويلا. وهذا موضوع.

عبدالعزيز: متروك. وتلميذه: عثمان السجزي: قال ابن خزيمة: لا رحمه الله، أشهد أنه كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

انتهى ما أردت التنبيه عليه فقد انتشرت هذه الأيام رسائل أن صوم عاشورا مع كونه يكفر سنة: أيضًا يعدلُ صوم الدهر، هكذا ينشُرون، وقد انتشر هذا بين طلاب علم لهم أهلّية للبحث والنظر، ولكنَّهم يتساهلون في نقل ما يرد إليهم وتحته عبارة (صحّحه الألباني)!. فأحببتُ أن أنبّه على هذا، والله الموفق.

كتبه

أبو محمد عبدالله بن أحمد بن لمح الخولاني

8 محرم 1445 

 

التخريج المطوّل لحديث ابن عمر

قال: (كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعدّ صوم عرفة صوم سنة). وفي لفظ: (كُنَّا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْدِلُهُ بِصَوْمِ سَنَةٍ).

أخرجه: النسائي في الكبرى 2841 والطبري في تهذيب الآثار 557 و أبو يعلى 5648 والفاكهي في أخبار مكة 2765 والطحاوي في شرح المعاني 3269 والطبراني في الأوسط 751  لكن عنده (بصوم سنتين) وابن عدي في الكامل ترجمة أبي حريز.

كلهم من طرق عن: معتمر قال: قرأت على فضيل حدثني أبو حريز قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر.

قال النَّسَائي: أَبو حريز ليس بالقوي، واسمه عبد الله بن حسين، قاضي سجستان. وحديثه هذا حديث منكر.

وقال ابن عدي: لا يتابع ـ أي أبو حريزـ عليه.

وقال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَّا أَبُو حَرِيزٍ

وأما ابن عبدالبر فعلقه في التمهيد 21/163عن الفاكهي وأشار إلى أن الفضائل  يُتسامح في أسانيدها. ولم يعلِّق على هذا اللفظ بشيء.

بل قال ابن حجر في إتحاف المهرة (8/ 452): صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ !.

قلت: يعني أصل الحديث  في فضل الصوم كما هو واضح من بحثه له في التمهيد.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 113): رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وهو عند النسائي بلفظ (سنَة).

قلت هذا التحسين من المنذري رحمه الله ليس بجيد، بل سنده ضعيف. وقد حكم عليه بالنكارة الأئمةُ: أحمد ويحيى بن سعيد والنسائي. 

قال العيني في نخب الأفكار شرح معاني الآثار (8/ 386): قوله: عن أبي حريز -بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي معجمة- واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي قاضى سجستان، عن يحيى: بصري ثقة. وعنه: ضعيف. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو داود: ليس حديثه بشيء. روى له الأربعة، واستشهد به البخاري.

قال الجوزجاني: غير محمود الحديث.

وقال أحمد بن حنبل: حديثه منكر، روى معتمر عن فضيل عن أبي حريز أحاديث مناكير. قال حرب بن إسماعيل : سئل أحمد بن حنبل عن أبى حريز ، فذكر أن يحيى بن سعيد كان يحمل عليه ، و لا أراه إلا كما قال. وضعَّفه النسائي. وقال الذهبي: جاء عنه أنه يؤمن برجعة علي!. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ.

قلت: الأكثر على تضعيفه، والتضعيف فيه مبيَّن، وعلى خلاصة ابن حجر: فقد أُنكر الحديث عليه، ونصُّوا على أنه أخطأ فيه. وقد جاء عن سعد بن جبير قوله.

أخرجه أبو يوسف في الآثار (804) عن أبي حنيفة عن سعيد بن جبير أنه قال: «صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَعْدِلُ صَوْمَ سَنَةٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يَعْدِلُ صَوْمَ سَنَتَيْنِ».

طريق آخر:

 في معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (ص: 238) قال:

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَرْوَزِيُّ الْبَارِدُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا قُطْبَةُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يَعْدِلُ سَنَتَيْنِ، سَنَةً مُقْبِلَةً وَسَنَةً مُتَأَخِّرَةً» وَقَالَ مَرَّةً: «مُتَقَدِّمَةً».

وهذا واه، إبراهيم النهمي الهمداني: قال الدارقطني: متروك. قلت: هو شيعي وقد نسبهُ الذهبي في الميزان إلى وضع خبر في فضل الحسن والحسين. والخبر أخرجه ابن الأعرابي (1039).

 

تحميل بصيغة PDF
جميع الحقوق محفوظة © موقع الشيخ ابي محمد عبدالله بن لمح الخولاني - 2025
تم نسخ الدعاء بنجاح